الجمعة، 23 نوفمبر 2018

أخَبُّ مِنْ ضَبّ.

ومنه اشتقُّوا قولهم: فلان خَبٌّ ضَبٌّ.

أَخْوَنُ مِنْ ذِئْبٍ.

ويقولون في مثل آخر: "مستودع الذئب أظلم" وفي مثل آخر: "مَنْ اسْتَرْعَى الذئبَ ظلم" وقال الشاعر: أخْوَنُ مِنْ ذِئبٍ بِصَحْرَاءِ هَجَرْ ..

أَخْبَثُ مِنْ ذِئْبِ الْخَمَرِ، وَأَخْبَثُ مِنْ ذِئْبِ الغَضَى.

قال حمزة: العرب تسمي ضروباً من البهائم بضروب من المراعي تَنْسُبها إليها، فيقولون: أرنب الخلة، وضَبُّ السحا، وظبي الحلب، وتيس الربلة، وقنفذ برقة، وشيطان الحَمَاطة، وذلك كله على قدر طِباع الأمكنة والأغْذِية العاملة في طباع الحيوان، وفي أسجاع ابنة الخُسِّ: أخبثُ الذئابِ ذئب الغَضَى، وأخبث الأفاعي أفْعَى الجدب، وأسرع الظباء ظباء الحلب، وأشد الرجال الأعجف، وأجمل النساء الفَخْمة الأسيلة، وأقبح النساء الْجَهْمَة القفرة، وآكَلُ الدواب الرَّغُوث، وأطيب اللحم عوّذه، وأغْلَظُ المَوَاطئ الحَصَا على الصَّفَا، وشر المال ما لا يُزَكَّى ولا يُذَكى، وخير المال مُهْرَة مأمورة أو سكة مأبُورَة.
قال: وعلى هذا المجرى حكاية حكاها ابن الأعرابي عن العرب، زعَم أنه قيل للبكرية: ما شجرة أبيك؟ فقالت: العَرْفَجَة إذا قُدِحَت التهبت، وإذا خليت قصبت، وقيل للقيسية: ما شجرة أبيك؟ فقالت: الخلة، ذليقة الدرة، حديدة الجرة، وقيل للتميمية: ما شجرة أبيك؟ فقالت: الإسليح رغوة وصريح، وسَنَام إطريح، تُفيئه الريح، وقيل للأسدية: ما شجرة أبيك؟ فقالن: الشرشر، وطب حشر، وغلام أشر، حشر: أي وسخ، ووسخ الوَطْب من اللبن يدعى حشراً.
قلت: قوله "وطب حشر" كذا قرئ على حمزة بالحاء، وروى عنه والصواب جشر بالجيم، وكذا في التهذيب عن الأزهري، وفي الصحاح عن الجوهري: قال حمزة: [ص: 260]والسنام الإطريح: المرتفع، يقال: طَرَحَ القوم بناءهم، أي رفعوه وطَوَّلوه، والحلب: شجرة حلوة فلذلك ظباؤها أسرع، وأبطأ الظباء ظباء الحَمْضِ، لأن الحمض مالح.

أخْنَثُ مِنْ طُوَيْسٍ.

ويقال "أشْأَمُ من طُوَيْس".
الطاوسُ: طائر معروف، ويصغر على "طُوَيْس" بعد حذف الزيادات. وكان طويسٌ هذا من مُخَنَّثي المدينة، وكان يسمى طاوسا، فلما تخنث سمي بطويس، ويكنى بأبي عبد النعيم، وهو أول من غَنَّى في الإسلام بالمدينة، ونَقَر بالدُّفِّ المربع، وكان أخَذَ طرائقَ الغناء عن سبي فاس، وذلك أن عمر - رضي الله عنه - كان صَيَّرَ لهم في كل شهر يومين يستريحون فيهما من المهن، فكان طويس يَغْشَاهم حتى فهم طرائقهم، وكان مُؤفاً خليعا، يُضْحِك كل ثَكْلَى حَرَّى، فمن مَجَانَتِهِ أنه كان يقول: يا أهل المدينة، ما دُمْتُ بين أظهركم فتوقَّعوا خروج الدجال والدابة، وإن متُّ فأنتم آمِنون، فتدبروا ما أقول، إن أمي كانت تمشي بين نساء الأنصار بالنمائم، ثم ولدتني في الليلة التي مات فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفَطَمتني في اليوم الذي مات فيه أبو بكر، وبلغت الحُلَم في اليوم الذي قتل فيه عمر، وتزوجت في اليوم الذي قتل فيه عثمان، وولد لي في اليوم الذي قتل فيه علي، فَمَنْ مثلي؟ وكان يظهر للناس مافيه من الآفة غير محتشم منه، ويتحدث به، وقال فيه شعرا، وهو:
أنا أبو عَبْد النعيم ... أنا طاوسُ الجحيم
وأنا أشأم مَنْ دَبَّ ... على ظهر الْحَطيم
أنا حاء ثم لام ... ثم قاف حشو ميم
عني بقوله "حشو ميم" الياءَ، لأنك إذا قلت ميم فقد وقعت بين ميمين ياء، يريد أنا حلقي.
ولما خصي طويس مع سائر المخنثين قال: ما هذا إلا ختان أعِيدَ علينا، وكان السبب في خصائهم أنهم كَثُروا بالمدينة فأفسدوا النساء على الرجال، وزعم بعضُهم أن سليمان بن عبد الملك كان مفرط الغَيْرة، وأن جارية له حَضَرته ذاتَ ليلةٍ قمراء وعليها حلي منعصفر، فسمع في الليل سميرا الأبليَّ يغني هذه الأبيات:
وغادةٍ سَمِعَتْ صوتي فأرَّقَهَا ... من آخر الليل لما مَلَّهَا السَّهَرُ
تُدْنِي على فخذيها من مُعَصْفَرَةٍ ... والحلْيُ دانٍ على لَبَّاتِهَا خضر
لم يحجب الصَّوْتَ أحْرَاسٌ ولا غَلَق ... فدَمْعُهَا بأعَالِي الخدِّ يَنْحَدِرُ  
في ليلة البدر ما يدري مُعَايِنُهَا ... أوَجْهُهَا عندَهْْ أبْهَى أم القَمَرُ
لو خُلِّيَتْ لَمَشَتْ نَحْوِي على قدم ... تكادُ مِنْ رقةٍ للمَشْيِ تَنْفَطِرُ
فاستوعب سليمان الشعر، وظن أنه في جاريته، فبعث إلى سمير فأحضره، ودعا بحجَّام ليخصيه، فدخل إليه عمر بن عبدِ العزيز وكلمه في أمره، فقال له: اسكت إن الفَرَسَ يَصْهَل فتستودق الحِجْرُ له، وإن الفحل يخطر فتضبع له الناقة، وإن التَّيْسَ ينبُّ فتستحرم له العنز، وإن الرجل يُغَنِّي فتَشْبَقُ له المرأة، ثم خصاه، ودعا بكاتبه فأمره أن يكتب من ساعته إلى عامله ابنِ حزم بالمدينة "أن أحْصِ المخنثين المغنين" فتشظَّى قلم الكاتب فوقعت نقطة على ذروة الحاء، فكان ما كان مما تقدم ذكره.

اخْزَى مِنْ ذَاتَ النّحْيَيْنِ.

قد ذكرتُ قصتها في حرف الشين عند قولهم "أشْغَلُ من ذات النَّحْيَيْنِ"

أخْلَى مِنْ جَوْفِ حِمَارٍ.




و"أخرب من جوف حمار" قالوا: هو رجل من عاد، وجَوْفه: وادٍ كان يحله، ذو ماء وشجر، فخرج بنوه يتصيدون، فأصابتهم صاعقة فأهلكتهم، فكفر وقال: لا أعبد ربا فعل ذا ببنيَّ، ثم دعا قومَه إلى الكفر، فمن عَصَاه قتله، فأهلكه الله وأخرب واديه، فضربت العرب به المثل في الخراب والخلاء، وقالوا "أخْرَبُ من جوف الحمار" و "أخلى من جوف حمار" وأكثرت الشعراء ذكره في أشعارهم، فمن ذلك قول بعضهم:
وَبِشُؤْمِ الْبَغْيِ وَالْغَشْمِ قَدِيماً ... ما خَلا جَوْفٌ ولم يبق حِمَار
هذا قول هشام الكلبي. وقال غيره: ليس حمار ههنا اسمَ رجل، بل هو الحمار بعينه، واحتج بقول من يقول "أخلى من جوف العَيْر" قال: ومعنى ذلك أن الحمار إذا صِيدَ لم ينتفع بشيء مما في جوفه، بل يرمى به ولا يؤكل، واحتج أيضا بقول من قال "شَرُّ المالِ ما لا يزكى ولا يذكى" فقال: إنما عنى به الحمار، لأنه لا تجب فيه زكاة، ولا يُذْبَح فيؤكل، وقال أبو نصر في قول امرئ القيس:
وَوَادٍ كَجَوْفِ الْعَيْرِ قَفْرٍ قَطَعْتُه ...
العير عند الأصمعي: الحمار، يذهب إلى أنه ليس في جوف الحمار إذا صيد شيء ينتفع به، فجوف الحمار عندهم بمنزلة الوادي القفر الذي لا منفعة للناس والبهائم فيه. وقال: قال الأصمعي: حدثني ابن الكلبي عن فروة ابن سعيد عن عفيف الكندي أن هذا الذي ذكرته العرب كان رجلا من بقايا عاد يقال له "حمار بن مُوَيْلع" فعَدَلَت العرب عند تسميته عن ذكر الحمار إلى ذكر العَيْرِ لأنه في الشعر أخف وأسهل مَخْرَجا.

أَخْيَبُ مِنْ حُنَيْنٍ.

قد اختلف النسابون فيه، وقد ذكرت قول أبي عبيد وابن السِّكِّيت فيه في حرف الراء عند قولهم "رَجَع بخُفَّيْ حُنَين" وأما الشَّرْقي بن القطامي فإنه قال: كان حُنَين من قريش، وزعم أن أصل المثل أن هاشم ابن عبد مناف كان رجلا كثيرَ التقلُّبِ في أحياء العرب للتجارات والوِفادات على الملوك وكان نُكَحَة، فكان أوصى أهلَه أنه متى أتوا بمولود معه علامته قَبِلوه، وتصير علامة قبولهم إياه أن يَكْسُوه ثيابا، ويلبسوه خُفّاً، ثم إن هاشما تزوج في حيٍّمن أحياء اليمن، وارتحل عنهم، فوُلِد له غلام فسماه جَدُّه أبو أمه "حُنَيْناً" وحمله إلى قريش مع رَجُل من أهله، فسأل عن رهط هاشم، فَدُلَّ عليهم، فأتاهم بالغلام، وقال: إن هذا ابنُ هاشِمٍ، فطالبوه بالعلامة، فلم تكن معه، فلم يقبلوه، فرد الغلام إلى أهله فحين رَأَوْه قالوا: جاء بخُفِّ حُنَيْنٍ، أي جاء خائبا حين جاء في خف نفسه، أي لو قُبل لألبس خف أبيه.  
وقال غيره: كان حنينا رجلاً عباديا من أهل دومة الكوفة وهي النجف محلة منها، وهو الذي يقول:
أنَا حُنَيْنٌ وَدَارِي النَّجَفُ ... وما نَدِيمي إلا الْفَتَى القصف
ليس نَدِيمِي المنجَلُ الصلف ...
وكان من قصته أن دَعَاه قومٌ من أهل الكوفة إلى الصحراء ليغنيهم، فمضى معهم، فلما سَكِر سَلَبوه ثيابه وتركوه عُرْيانا في خُفَّيْهِ، فلما رجع إلى أهله وأبصروه بتلك الحالة قالوا: جاء حنين بِخُفَّيْهِ، ثم قالوا: أخَيْبُ من حُنَين، فصار مثلا لكل خائب وخاسر، ثم قالوا: أصحب لليأس من خفي حنين، فصار مثلا لكل يائس وقانط ومكدٍ

أَخْيَبُ مِنَ القَابِضِ عَلَى المَاء.

هذا مأخوذ من قول الشاعر:
وَمَا أنْسَ مِنْ أشْيَاءَ لاَ أَنْسَ قَوْلَها ... تَقَدَّمْ فَشَيِّعْنَا إلى ضَحْوَةِ الْغَدِ
فأصْبَحْت مِمَّا كَانَ بَيْنِي وبَيْنَهَا ... سِوَى ذِكْرِهَا كَالْقَابِضِ الْمَاءَ بِالْيَدِ

أخْسَرُ مِنَ مَغْبُونٍ.

مثل مُوَلَّد، ويقولون في مثل آخر: في اسْتِ المَغْبُونِ عُود.

أخْسَرُ مِنْ حَمَّالَةِ الْحَطَبِ.




هي أيضا من قريش، وهي أم جَميل أختُ أبي سفيان بن حَرْب وامرأة أبي لَهَبٍ المذكورة في سورة {تّبَّتْ يَدَا أبي لَهَب} وفيها يقول الشاعر:
جَمَعْتَ شَتَّى وقَدْ فَرَّقْتها جُمَلاً ... لأنْتَ أخْسَرُ من حَمَّاَلِة الْحَطَبِ
أي أظهر خُسْرانا، وذلك أنها كانت تحمل العَضَاة والشَّوْكَ فتطرحُه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليَعْقِرَه، وقال قتادة ومجاهد والسدي: كانت تمشي بالنَّمِيمة بين الناس، فتلقى بينهم العَدَاوة وتهيج نارَها كما توقِد النارَ بالحطب، وتسمى النميمة حَطَباً، ويقال: فلان يَحْطِبُ على فلان، إذا كان يُغْرِي به، وقال:
مِنَ الْبِيضِ لم تَصْطَدْ على ظهْرِ سَوْءَة ... ولم تَمْشِ بَيْنَ القوم بالحَطَبِ الرَّطْبِ

أخْرَقُ مِنْ نَاكِثَةِ غَزْلِها.



ويقال: من ناقضة غَزْلها، وهي امرأة كانت من قريش يقال لها: أم رَيْطَة بنت كعب بن سعد بن تَيْم بن مُرَّة، وهي التي قيل فيها "خَرْقَاء وجَدَتْ صُوفاً" والتي قال الله عز وجل فيها {ولا تَكُونُوا كالتَّي نَقَضَتْ غَزْلَها من بعد قوّة أنكاثا} قال المفسرون: كانت هذه المرأة تغزل وتأمر جَوَاريَهَا أن يغزلن ثم تنقض وتأمرهن أن [ص: 256] ينقضن ما فتلن وأمررن، فضرب بها المثل في الْخُرْقِ.

أَخْرَقُ مِنْ حَمَامَةٍ.

لأنها لا تُحْكِم عُشَّها، وذلك أنها ربما جاءت إلى الغصن من الشجرة فتبني عليه عشها في الموضع الذي تذهب به الريح وتجيء، فَبَيْضُها أضْيَعُ شيء، وما ينكسر منه أكثر مما يسلم، قال عَبِيد بن الأبرص:
عَيُّوا بأمرهُم كَمَا ... عَيَّتْ بيضتها الْحَمَامَهْ
جَعَلَتْ لها عُودَيْنِ من ... نَشَمٍ وآخَرَ من ثُمَامَهْ
ويروى "وعُوداً من ثُمَامه"

أَخْفَى مِمَّا يُخْفي اللَّيْلُ.

لأن الليل يستر كل شيء، ولذلك قالوا في المثل الآخر: الليلُ أخْفَى للويل، وفي مثل آخر: الليلُ أخْفَى والنهارُ أفضح، وأخْفَى: أفعل من قولهم: خَفَيْتُ الشيء، إذا كتمته، أخْفِيه خفيا، وليس من الإخفاء

أخْفَى مِنَ المَاءِ تَحْتَ الرُّفَةِ.

يعني التِّبْنة، قلت: هذا الحرف في كتاب حمزة بتشديد الفاء، وكذلك أورده الجوهري في الصحاح في قولهم "ورَدَت الإبل رفها" والصحيح أن الرُّفَةَ من الأسماء المنقوصة، والجمع رُفَات مثل قُلَة وقُلاَت وثُبَة وثُبَات.

أخَفُّ مِنْ يَرَاعَةٍ.

فيجوز أن يُرَاد به الذي يطير بالليل كأنه نار، يقال: هو ذباب، فيكون كقولهم "أخف من فَرَاشة" ويجوز أن يراد به القَصَبَة، والجمع يَرَاع فيهما.

أخَفُّ مِنَ الْجُمَّاحِ.

هو سَهْم يلعبُ به الصبيان لا نَصْل له، يجعلون في رأسه مثل البُنْدُقة لئلا يعقر، وربما جعل في طرفه تمر مَعْلوك بقدر عفاص القارورة، وقوس الْجَمَّاح مثل قوس الندَّاف إلا أنها أصْغَر فإذا شب الغلام ترك الجُمَّاح وأخذ النبل.

أخَفُّ حِلْماً مِنْ بَعِيرٍ.

هو من قول الشاعر:
ذَاهِبٌ طُولاً وعَرْضاً ... وَهْوَ في عَقْلِ بَعِيرِ
ومن قول الآخر:
لقد عَظُمَ البعيرُ بغير لُبٍّ ... فلم يَسْتَغْنِ بالعِظَمِ البَعِيرُ
يُصَرِّفُه الصبيُّ لكل وُجْهٍ ... ويَحْبِسُهُ على الخَسْفِ الْجَرِيرُ 
تَضْرِبُهُ الوليدَةْ بالهَرَاوَي ... فَلاَ غير لَدَيْهِ ولا نَكِيرُ

أَخَفُّ حِلْماً مِنْ عُصْفورٍ.

هو أن العرب تضرب المثل بالعصفور لأحلام السخفاء، قال حسان:
لاَ بَأْسَ بالقَوْمِ من طُوٍل ومن عِظَمٍ ... جِسْمُ البغالِ وَأحْلاَمُ الْعَصَافِيرِ

أخَفُّ رَأْساً مِنَ الطَّائِرِ.

قال الشاعر:
يبيتُ الليلَ يَقْظَانا ... خَفِيفَ الرأس كَالطَّائِرْ

أخَفُّ رَأْساً مِنَ الذِّئْبِ.

قالوا: إن الذئب لا ينام كل نومه لشدة حَذَره، ومن شقائه بالسهر لا يكاد يخطئه مَنْ رماه، وإذا نام فتح إحدى عينيه، قال حميد:
يَنَامُ بإحْدَى مُقْلَتَيْه، وَيَتَّقِي ... بأخْرَى الْمَنَايا فَهْوَ يَقْظَانُ هَاجِعُ

أخَفُّ مِنْ فَرَاشَةٍ.

الفَرَاشة أكبر من الذباب الضخم، فإن أخَذْتَها بيدك صارت بين أصابعك مثل الدقيق، قال الشاعر:
سَفَاهَةُ سِنَّوْرٍ وحِلْمُ فَرَاشَةٍ ... وَإنَّكَ مِنْ كَلْب المهارش أجْهَلُ

أَخْلَفُ مِنْ ثِيلِ الْجَمَلِ.

الثيل: وعاء قضيبه، وقيل ذلك فيه لأنه يخالف في الجهة التي إليها مَبَالُ كل حيوان.

- أَخْلَفُ مِنْ بَوْلِ الْجَمَلِ.

هذا من الخِلاَف، لا من الخُلْف، لأنه يبول إلى خَلْف.

أَخْلَفُ مِنْ شُرْبِ الكَمُّونِ.

لأن الكمون يُمَنَّى السقيَ فيقال له: أتشرب الماء؟ ويقال أيضاً: مواعيد الكمون، كما يقال: مواعيد عرقوب، إلا أن الكمون مفعول لا فاعل، كما كان عرقوب في قولهم "مواعيد عرقوب" فاعلاً، قال الشاعر:
إذا جِئْتَهُ يوماً أحالَ على غَدٍ ... كما يُوعَدُ الكَمُّونَ مَا لَيْسَ يَصْدُقُ

اخْلفُ مِنْ عُرْقُوبٍ.

هذا من خُلْفِ الوعد، وسنذكر قصته في حرف الميم عند قوله "مواعيد عرقوب".

أَخْلَفُ مِنْ صَقْرٍ.

هذا من خُلُوف الفم، وهو تَغَيُّر رائحته.

أَخْلَفُ مِنْ نَارِ الحُبَاحِب.

ويقال أيضاً "من نار أبي حباحب" و "أخلف من وقود أبي حباحب".
ومن حديثه - فيما ذكره ابن الكلبي - أنه كان رجلا من العرب في سالف الدهر بَخِيلاً، لا توقَدُ له نار بليل مخافة أن يُقْتَبَسَ منها، فإن أوقدها ثمَّ أبصرها مستضيء أطفأها، فضربت العرب بناره في الخلف المثلَ، وضربوا به في البخل المثل.

أخْلَفُ مِنْ وَلَدِ الحمَارِ.

يَعْنُون البغل، لأنه لا يشبه أباهُ ولا أمه

أخْيَلُ مِنْ وَاشِمَةِ اسْتِهَا.

قال أبوعمرو: هي امرأة وشَمَتْ فرجها فاختالت على صواحباتها، ويقال: بل هي دُغَةُ

الأربعاء، 21 نوفمبر 2018

أخسر صفقة من شيخ مهو

مهو : بطن من عبد القيس واسم هذا الشيخ عبد الله بن بيدرة 
ومن حديثه أن إياد كانت تعير بالفسو وتسب به فقام رجل من إياد بسوق عكاظ ذات سنة ومعه بردا حبرة ونادى ألا إني من إياد فمن الذي يشتري عار الفسو مني ببردي هذين فقام عبد الله هذا الشيخ العبدي وقال : هاتهما فاتزر بأحدهما وارتدى بالآخر وأشهد الإيادي عليه أهل القبائل بأنه اشترى من إياد لعبد القيس عار الفسو ببردين فشهدوا عليه وآب إلى أهله فسئل عن البردين فقال : اشتريت لكم بهما عار الدهر فقال عبد القيس لإياد : 
إن الفساة قبلنا إياد ... ونحن لا نفسو ولا نكاد 
فقالت إياد : 
يال لكيز دعوة نبديها ... نعلنها ثمت لا نخفها 
كروا إلى الرحال فافسوا فيها ... [ ص 253 ] 
وقال بعض الشعراء في ذلك : 
يامن رأى كصفقة ابن بيدرة ... من صفقة خاسرة مخسرة 
المشترى العار ببردى حبره ... شلت يمين صافق ما أخسره 
وكان المنذر بن الجارود العبدي رئيس البصرة فقال يوما : من يشتري مني عار الفسوة ينحكم على في السوم وكانت قبائل البصرة حاضرة فقال رجل من مهو : أنا فقال له المنذر : أثانية لا أم لك قد اشتريتموه في الجاهلية وجئتم تشترونه في الإسلام أيضا اعزب أقام الله ناعيك 
وقدم إلى عبد الملك بن مروان رجلان كلاهما مستحق للعقوبة فبطح أحدهما فضرط الآخر فضحك الوليد بن عبد الملك فغضب عبد الملك وقال : أتضحك من حد أقيمه في كجلسي ؟ خذوا بيده فقال الوليد : على رسلك يا أمير المؤمنين فإن ضحكي كان من قول بعض ولاة الأمر على منبر البصرة : والله لئن غمزت حنيفة لتضرطن عبد القيس والمبطوح حنفي والضارط عبدي فضحك عبد الملك وخلى عنهما

أخنث من مصفر استه

هذا مثل من أمثال الأنصار كانوا يكيدون به المهاجرين من بني مخزوم حكى ذلك ابن جعدبة وزعم أنهم كانوا يعنون بهذا المثل أبا جهل بن هشام وقد كان يردع أليتيه بالزعفران لبرص كان هناك فادعت الأنصار أنه إنما كان يطليها بالزعفران تطييبا [ ص 252 ] لمن كان يعلوه لأنه كان مستوها قالوا : ولذلك قال فيه عتبة بن ربيعه : ( وفي نسخة " عتبة بن مسعود " ) سيعلم مصفر استه أينا ينتفخ سحره فدفعت بنو مخزوم ذلك وقالت : فقد قال قيس ابن زهير لأصحابه يوم الهباءة وهو يريدهم على قص أثر حذيفة بن بدر : إن حذيفة رجل مخرنفج ولكأني بالمصفر استه مستنقعا في جفر الهباءة قالوا : فينبغي أن تحكموا على حذيفة أيضا أنه كان مستوها مثفارا ولم نر أحدا قط قال ذلك وقد ضرب أهل مكة المثل قبل الإسلام في التخنث برجل آخر من مشركي قريش لا أحب ذكره وزعموا أنه كان مؤفا ورووا له هذا الشعر : 
يا جواري الحي عدننيه ... حجبوا عني معلليه 
كيف تلحوني على رجل ... لو سقاني سم ساعتيه 
لم أقل غيظا جهلت ولا ... عندها فاضت مدامعيه 
لم أقل إني مللت ولا ... إن من أهواه ملنيه 
لو أصابته منيته ... شرقت عيني بعبرتيه 
قربوا عودا وباطية ... فبذا أدركت حاجتيه 
وقال قوم : إنما هذه كلمة تقال لأصحاب الدعة والنعمة

أخنث من دلال

فهو أيضا من مخنثي المدينة واسمه نافذ وكنيته أبو يزيد وهو ممن خصاه ابن حزم الأنصاري أمير المدينة في عهد سليمان بن عبد الملك وذلك أنه أمر ابن حزم عامله أن أحص لي مخنثي المدينة فتشظى قلم الكاتب فوقعت نقطة على ذروة الحاء فصيرتها خاء فلما ورد الكتاب المدينة ناوله ابن حزم كاتبه فقرأ عليه " اخص المخنثين " فقل له الأمير : لعله أحص بالحاء فقال الكاتب : إن على الحاء نقطة مثل تمرة ويروى مثل سهيل فتقدم الأمير في إحضارهم ثم خصاهم وهو طويس ودلال ونسيم السحر ونومة الضحا وبرد الفؤاد وظل الشجر فقال كل واحد منهم عند خصائه كلمة سارت عنه فأما طويس فقال : ما هذا إلا ختان أعيد علينا وقال دلال : بل هذا هو الختان الأكبر وقال نسيم السحر : بالخصاء صرت مخنثا حقا وقال نومة الضحا : بل صرنا نساء حقا وقال برد الفؤاد : استرحنا من حمل ميزاب البول وقال ظل الشجر : ما يصنع بسلاح لا يستعمل ومر الطبيب الذي خصاهم بابن أبي عتيق فقال له : أنت خاصي دلال أما والله إن كان ليجيد : 
لمن طلل بذات الجز ... ع أمسى دارسا خلقا 
ومضى الطبيب فناداه ابن أبي عتيق أن ارجع فرجع فقال : إنما عنيت خفيفه لا ثقيله 
قالوا : وكان يبلغ من تخنث دلال أنه كان يرمي الجمار في الحج بسكر سليماني مزعفرا مبخرا بالعود المطري فقيل له في ذلك فقال : لأبي مرة ( أبو مرة : كنية إبليس ) عندي يد فأنا أكافئه عليها قيل : وما تلك اليد ؟ قال : حبب إلي الأبنة

أخنث من هيت

هذا المثل من أمثال أهل المدينة سار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان حينئذ بالمدينة ثلاثة من المخنثين : هيت وهرم وماتع فسار المثل من بينهم بهيت وكان المخنثون يدخلون على النساء فلا يحجبون فكان هيت يدخل على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم متى أراد فدخل يوما دار أم سلمة رضي الله تعالى عنها ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندهان فأقبل على أخي أم سلمة عبد الله بن أبي أمية يقول : إن فتح الله عليكم الطائف فسل أن تنفل بادية بنت غيلان بن سلمة بن معتب الثقفية فإنها مبتلة هيفاء شموع نجلاء تناصف وجهها في القسامة وتجزأ معتدلا في الوسامة إن قامت تثنت وإن قعدت تبنت وإن تكلمت تغنت أعلاها قضيب وأسفلها كثيب إذا أقبلت أقبلت بأربع وإن أدبرت أدبرت بثمان مع ثغر كالأقحوان [ ص 250 ] وشيء بين فخذيها كالقعب المكفأ كما قال قيس بن الخطيم : 
تغترق الطرف وهي لاهية ... كأنما شف وجهها نزف 
بين شكول النساء خلقتها ... قصد فلا جبلة ولا قضف 
فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له : مالك ؟ سباك الله ما كنت أحسبك إلا من غير أولي الإربة من الرجال فلذا كنت لا أحجبك عن نسائي ثم أمره بأن يسير إلى خاخ ففعل ودخل في أثر هذا الحديث بعض الصحابة على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : أتأذن لي يا رسول الله في أن أتبعه فأضرب عنقه ؟ فقال : لا إنا قد أمرنا أن لا نقتل المصلين فبلغ خبره المخنث فقال : ذلك من النازدرين أي من مخرقي الخبر وبقي هيت بخاخ إلى أيام عثمان رضي الله عنه 
قلت : هذا تمام الحديث وأما تفسيره فقد فسره أبو عبيد القاسم بن سلام في غريبه فقال : أما قوله : " وإن قعدت تبنت " فالتبني : تباعد ما بين الفخذين يقال " تبنت الناقة " إذا باعدت ما بين فخذيها عند الحلب ويقال " تبنت " أي صارت كأنها بنيان من عظمها وقوله " تقبل بأربع " يعني بأربع عكن في بطنها وقوله " وتدبر بثمان " يعني أطراف هذه العكن الأربع في جنبيها لكل عكنة طرفان لأن العكن تحيط بالطرفين والجنبين حتى تلحق بالمتنين من مؤخر المرأة وقال " بثمان " وإنما هي عدد للأطراف واحدها طرف وهو مذكر لأن هذا كقولهم " هذا الثوب سبع في ثمان " على نية الأشبار فلما لم يقل في ثمانية أشبار أتى بالتأنيث وكما يقولون " صمنا من الشهر خمسا " والصوم للأيام دون الليالي فإذا ذكرت الأيام قيل " صمنا خمسة أيام " وقوله " تغترق الطرف " أي تشغل عين الناظرين إليها عن النظر إلى غيرها ويقال : بل معناه أنها ينظر إليها بالطرف كله وهي لا تشعر وقوله " شف وجهها نزف " أي جهده يريد أنها عتيقة الوجه دقيقة المحاسن ليست بكثيرة لحم الوجه والنزف : خروج الدم أي أنها تضرب إلى الصفرة ولا يكون ذلك إلا من النعمة والشكول : الضروب والجبلة : الكزة الغليظة 
وأما اسم هيت فقد اختلفوا فيه قال بعضهم : هو هنب بالنون والباء قال ابن الأعرابي : الهنب الفائق الحمق وبه سمي الرجل هنبا وقال الليث : قد صحف [ ص 251 ] أهل الحديث فقالوا هيت وإنما هو هنب وقال الأزهري : رواه الشافعي رحمه الله وغيره هيت - بالتاء - وأظنه صوابا هذا كلامهم حكيته على الوجه والله أعلم 

أخطب من سحبان وائل

وهو رجل من باهلة وكان من خطبائها وشعرائها وهو الذي يقول : 
لقد علم الحي اليمانون أنني ... إذا قلت أما بعد أني خطيبها 
وهو الذي قال لطلحة الطلحات الخزاعي : 
يا طلح أكرم من بها ... حسبا وأعطاهم لتالد 
منك العطاء فأعطني ... وعلي مدحك في المشاهد 
فقال له طلحة : احتكم فقال : برذونك الأشهب الورد وغلامك الخباز وقصرك بزرنج ( زرنج : قصبة سجستان ) وعشرة آلاف فقال له طلحة : أف لم تسألني على قدري وإنما سألتني على قدرك وقدر باهلة ولو سألتني كل قصر لي وعبد ودابة لأعطيتك ثم أمر له بما سأل ولم يزده عليه شيئا وقال : تالله ما رأيت مسألة محكم ألأم من هذا 
وطلحة هذا : هو طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي وأما طلحة الطلحات الذي يقال له طلحة الخير وطلحة الفياض فهو طلحة بن عبيد الله التيمي من الصحابة ومن المهاجرين الأولين ومن العشرة المسمين للجنة وكان يكنى أبا محمد رضي الله عنه

خذ من فلان العفو

 أي ما أمكن وجاء من غير كد فاقبله 
وما تعذر عليك فدعه 

خياركم خيركم لأهله

يروى هذا في حديث مرفوع

خشية خير من واد حبا

نصب " حبا " على التمييز أي لأن تخشى خير من أن تحب وهذا مثل قولهم : " رهباك خير من رغباك " ومثل قولهم : " فرقا أنفع من حب 

خيره في جوفه

أي إنك تحقره في المنظر وتأتيك أنباؤه بغير ذلك 
يضرب لمن تزدريه وهو يجاذبك

خالص المؤمن وخالق الفاجر

أي لتخلص مودتك للمؤمن فأما المنافق والفاجر فجاملهما ولا تهضم دينك وهذا قريب مما قاله صعصعة بن صوحان لأخيه زيد بن صوحان : إذا لقيت المؤمن فخالصه وقد مر في الباب الأول

خذ حقك في عفاف وافيا أو غير واف

 يضرب في القناعة باليسير

خير الرزق ما يكفي وخير الذكر الخفي

 خير الرزق ما يكفي وخير الذكر الخفي

خير المال عين خرارة في أرض خوارة

الخرارة : التي لها خرير وهو صوت الماء والخوارة : الأرض التي فيها لين وسهولة يعنون فضل الدهقنة ( الدهقنة : التجارة ) على سائر المعاملات

الخازباز أخصب

هذا ذباب يظهر في الربيع فيدل على خصب السنة قال ابن أحمر يصف روضة : 
تكسر فوقها القلع السواري ... وجن الخازباز بها جنونا 
ويروى " تفقأ " والمجنون من الشجر والعشب : ما طال طولا شديدا فإذا صار كذلك قيل : جن جنونا قال المرقش : 
حتى إذا ما الأرض زينها الن ... بت ( النبت ) وجن روضها وأكم 
والخازباز : مبني على الكسر

اخمعي وتيسي

الخمع : الظلع والخامعة : الضبع لأنها تخمع في مشيتها والخطاب في هذا المثل لها [ ص 248 ] وتيسي : معناه كذبت وقد مر شرحه في باب التاء 
يضرب للمهذار

الخير عادة والشر لجاجة

جعل الخير عادة لعود النفس إليه وحرصها عليه إذا ألفته لطيب ثمره وحسن أثره وجعل الشر لجاجة لما فيه من الاعوجاج ولاجتواء العقل إياه

خذها من ذي قبل ومن ذي عوض

أي فيما يستقبل وعوض : اسم للدهر المستقبل والهاء للخطة 
يضرب عند التوعد والتهدد

الخيل ميامين

قالوا : إن جرير بن عبد الله حين نافره القضاعي أتى بفرس فركبه من قبل وحشيه فقال له القضاعي : است لم تعود المجمر فقال جرير : الخيل ميامين فذهبت مثلا

أخطأ نوءك

النوء : النجم يطلع أو يسقط فيمطر يقال : مطرنا بنوء كذا 
يضرب لمن طلب حاجة فلم يقدر عليها

أخلف بقوم سادهم حقاب

يقال : خلف الشيء يخلف خلوفا إذا فسد وتغير ومنه خلوف فم الصائم والحقاب : شيء محلى تلبسه المرأة وأراد ذات حقاب يعني امرأة وتقديره ما أفسد أمر قوم ملكتهم امرأة 
يضرب للوضيع يملك الشريف

خابرت سعدا في مليط مخدج

المخابرة : المشاركة في المزارعة ثم تستعار في غيرها والمليط : ولد الناقة تملطه أي تسقطه والمخدج : الذي ولد لغير تمام . يضرب للرجلين تنازعا فيما لا يتنازع فيه ولا خير عنده