الخميس، 17 أغسطس 2017

أحسن من شف الأنضر

الأنضر، جمع نضر، وهو الذهب. ويعنون قرط الذهب. وقال:
وبياض وجه لم تحل أسرارهمثل الوذيلة أو كشف الأنضر


أحسن من النار

هذا من قول الأعرابية التي قالت: كنت في شبابي أحسن من النار الموقدة.

أحر من القرع

هو بثر يأخذ صغار الإبل في رؤوسها وأجسادها فتقرع. والتقريع، معالجتها لنزع قرعها، وهو أن يطلوها بالملح وحباب ألبان الإبل، فإذا لم يجدوا ملحاً نتفوا أوربارها، ونضحوا جلدها بالماء، ثم جروها على السبخة. قال أوس بن حجر يصف خيلاً:
لدى كل أخدود يغادرون فارساًيجر كما جر الفصيل المقرع


أحر من القرع

مسكن الراء، يعنون به قرع المسيم. قال الشاعر:
كان على كبدي قرعةحذار من البين ما تبرد

أحر من الجمر

زعم النظام أن الجمر في الشمس أشهب أكهب، وفي الفيء أشكل، وفي الليل أحمر.


أحذر من ظليم

قالوا: إنه يكون على بيضه فيشم ريح القانص من غلوة فيأخذ حذره. وينشدون لبعضهم:
أشم من هيق وأهدى من جمل


أحذر من ذئب

قالوا: إنه يبلغ من شدة احترازه أن يراوح بين عينيه إذا نام، فيجعل أحداهما مطبقة نائمة والأخرى مفتوحة حارسة، بخلاف الأرنب الذي ينام مفتوح العينين، لا من احتراز ولكن خلقة. قال حميد بن ثور في حذر الذئب:
ينام بإحدى مقلـتـيه ويتـقـيبأخرى المنايا فهو يقظان هاجع


أحذر من غراب

وذلك أنهم يحكون في رموزهم أن الغراب قال لابنه: يا بني، إذا رميت فتلوص، أي تلو. فقال: يا أبت، إني أتلوص قبل أن أرمي.

أحمق من ترب العقد

يعنون عقد الرمل، وإنما يحمقونه لأنه لا يثبت فيه التراب بل ينهار.

أحمق من رجلةٍ

وهي البقلة التي تسميها العامة، الحمقاء، وإنما حمقوها لأنها تنبت في مجاري السيول فيمر السيل بها فيقتلعها.

أحمق من عقعق

لأنه مثل النعامة التي تضيع بيضها وفراخها.

أحمق من رخمة

هذا مثل سائر عن أكثر العرب، إلا أن بعض العرب يستكيسها فيقول في أخلاقها عشر خصال من الكيس وهي: أنها تحضن بيضها، وتحمي فرخها، وتألف ولدها، ولا تمكن من نفسها غير زوجها، وتقطع في أول القواطع، وترجع في أول الرواجع، ولا تطير في التحسير، ولا تغتر بالشكير، ولا ترب بالوكور، ولا تقسط على الجفير. قوله: تقطع في أول القواطع، وترجع في أول الرواجع. أراد أن الصيادين إنما يطلبون الطير بعد أن يوقنوا أن القواطع قد قطعت، والرخمة تقطع في أوائلها لتنجو. يقال: قطعت الطير قطاعاً، إذا تحولت من الجروم إلى الصرود، أو من الصرود إلى الجروم. وقوله: ولا تطير في التحسير. يقال: حسر الطائر تحسيراً، إذا سقط ريشه. ولا تغتر بالشكير، أي بصغار ريشها، بل تنتظر حتى يصير قصباً ثم تطير. وقوله: ولا ترب بالوكور، أي لا تقيم، من قولهم أرب بالمكان إذا أقام به، أي لا ترضي بما يرضى به الطير من وكورها، ولكن تبيض في أعلى الجبال حيث لا يبلغه إنسان ولا سبع ولا طائر، ولذلك يقال في المثل: من دون ما قلت، أو من دون ما سمت بيض الأنوق. للشيء لا يوصل إليه. وقوله: ولا تسقط على الجفير، يعني الجعبة، لعلمها أن فيها سهاماً. وقد جمع الشاعر هذه المعاني في بيت وصفها فيه فقال:
وذات اسمين والألوان شتىتحمق وهي كيسة الحويل


أحمق من نعامة

وذلك أنها تنتشر للطعم فربما رأت بيض نعامة أخرى قد انتشرت لمثل ما انتشرت هي له فتحضن بيضها وتنسى بيض نفسها، ثم تجيء الأخرى فترى غيرها على بيض نفسها فتمر لطيتها. وإياها عنى ابن هرمة بقوله:
كتاركة بيضها بالـعـراءوملبسة بيض أخرى جناحا
وقال ابن الأعرابي: بيضة البلد، التي قد سار بها المثل، هي بيضة النعامة التي تتركها فلا تهتدي إليها، فتفسد، فلا يقربها شيء. والنعام موصوف بالسخف، والموق، والشراد، والنفار. ولخفة النعام وسرعة هويها وطيرانها على وجه الأرض قالوا في المثل: شالت نعامتهم، وخفت نعامتهم، وزف رألهم، إذا تركوا مواضعهم بجلاء أو موت. وزعم أبو عبيدة أن ابن هرمة عني بقوله: كتاركة بيضها، الحمامة التي تحضن بيض غيرها وتضيع بيض نفسها.

أحمق من نعجة على حوض

لأنها إذا رأت الماء أكبت عليه تشرب، فلا تنثني عنه إلا أن تزجر، أو تطرد.

أحمق من الربع

هذا مثل سائر عن أكثر العرب. قال حمزة: ألا أن بعض العرب دفع عنه الحمق فقال: وما حمق الربع? والله أنه ليتجنب العدوى، ويتبع أمه في المرعى، ويراوح بين الأطباء، ويعلم أن حنينها له دعاء، فأين حمقه?

أحمق من الضبع

تزعم الأعراب أن أبا الضباع وجد تودية في غدير، فجعل يشرب الماء ويقول: حبذا طعم اللبن. ويقال: بل كان ينادي وأصبوحاه. حتى انشق بطنه ومات. والتودية، العود يشد على رأس الخلف لئلا يرضع الفصيل. ومن حمقها أيضاً أن يدخل الصائد عليها وجارها فيقول لها: خامري أم عامر. فلا تتحرك حتى يشدها. قلت: وقد شرحت المثل في باب الخاء بأبين من هذا.

أحمق من راعي ضان ثمانين

لأن الضان تنفر من كل شيء، فيحتاج راعيها إلى أن يجمعها في كل وقت. هذه رواية محمد بن حبيب. وقال أبو عبيد: أحمق من طالب ضأن ثماني. قال: وأصل المثل، أن أعرابياً بشر كسرى ببشرى سر بها فقال له: سلني ما شئت. فقال: أسألك ضأناً ثمانين. فضرب به المثل في الحمق. وروى الجاحظ: أشقى من راعي ضأن ثمانين. قال: وذلك أن الإبل تتعشى وتربض حجرة فتجتر، والضأن يحتاج صاحبها إلى حفظها ومنعها من الإنتشار، والسباع الطالبة لها. وروى الجاحظ أيضاً: اشغل من مرضع بهم ثمانين. قال: ويقول الرجل، إذا استعنته وكان مشغولاً: أنا في رضاع بهم ثمانين.

أحمق من الدابغ على التحليء

قالوا: التحليء، قشر يبقى على الأهاب من اللحم فيمنع الدباغ أن ينال الآهاب حتى يقشر عنه، فإن ترك فسد الجلد بعد ما يدبغ.

أحمق من ربيعة البكاء

هو ربيعة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. ومن حمقه أن أمه كانت تزوجت رجلاً من بعد أبيه فدخل يوماً عليها الخباء، وهو رجل قد التحى، فرأى أمه تحت زوجها يباضعها، فتوهم أنه يريد قتلها، فرفع صوته بالبكاء وهتك عنهما الخباء وقال: وا أماه. فلحقه أهل الحي وقالوا: ما وراءك? قال: دخلت الخباء فصادفت فلاناً على بطن أمي يريد قتلها. فقالوا: أهون مقتول أم تحت زوج. فذهبت مثلاً وسمي ربيعة البكاء، فضرب بحمقه المثل.

أحمق من جحا

هو رجل من فزارة. وكان يكنى أبا الغصن. فمن حمقه أن عيسى بن موسى الهاشمي مر به وهو يحفر بظهر الكوفة موضعاً فقال له: مالك يا أبا الغصن? قال: إني قد دفنت في هذه الصحراء دراهم ولست أهتدي إلى مكانها. فقال عيسى: كان يجب أن تجعل عليها علامة. قال: قد فعلت. قال ماذا? قال: سحابة في السماء كانت تظلها ولست أرى العلامة. ومن حمقه أيضاً أنه خرج من منزله يوماً بغلس فعثر في دهليز منزله بقتيل فضجر به، وجره إلى بئر منزله فألقاه فيها، فنذر به أبوه فأخرجه وغيبه وخنق كبشاً حتى قتله وألقاه في البئر. ثم أن أهل القتيل طافوا في سكك الكوفة يبحثون عنه فتلقاهم جحا فقال: في دارنا رجل مقتول فانظروا أهو صاحبكم. فعدلوا إلى منزله، وأنزلوه في البئر فلما رأى الكبش ناداهم وقال: يا هؤلاء، هل كان لصاحبكم قرن? فضحكوا ومروا. ومن حمقه أن أبا مسلم صاحب الدولة لما ورد الكوفة قال لمن حوله: أيكم يعرف جحا فيدعوه إلي? فقال يقطين: أنا، ودعاه، فلما دخل لم يكن في المجلس غير أبي مسلم ويقطين فقال: يا يقطين، أيكما أبو مسلم? قلت: وجحا اسم لا ينصرف لأنه معدول من جاح، مثل عمرو من عامر يقال: جحا يجحو جحواً إذا رمى. ويقال: حيا الله جحوتك. أي وجهك.

أحمق من بيهس

هو الملقب بنعامة. وله قصة قد ذكرتها في باب الثاء. وكان مع حمقه أحضر الناس جواباً. قال حمزة: فما تكلم به من الأمثال التي يعجز عنها البلغاء: لو نكلت على الأولى لما عدت إلى الثانية.

أحمق من شرنبث

ويقال جرنبذ، وهو رجل من بني سدوس، جمع عبيد الله بن زياد بينه وبين هبنقة وقال تراميا. فملأ شرنبث خريطة من حجارة وبدأ فرماه وهو يقولك دري عقاب بلبن واشخاب، طيري عقاب وأصيبي الحراب حتى يسيل اللعاب، فأصاب بطن هبنقة فانهزم، فقيل له: اتنهزم من حجر واحد? فقال، لو أنه قال: طيري عقاب وأصيبي الذباب، يعني ذباب العين، فذهبت عيني ما كنتم تغنون عني. فذهبت كلمة شرنبث مثلاً في تهييج الرامي والاستحثاث به.

أحكم من هرم بن قطبة

هذا من الحكم، لا من الحكمة، وهو الفزاري الذي تنافر إليه عامر ابن الطفيل، وعلقمة بن علاثة الجعفريان فقال لهما: أنتما يا ابني جعفر كركبتي البعير تقعان معاً، ولم ينفر واحد منهما على صاحبه.

أحكم من هرم بن قطبة

هذا من الحكم، لا من الحكمة، وهو الفزاري الذي تنافر إليه عامر ابن الطفيل، وعلقمة بن علاثة الجعفريان فقال لهما: أنتما يا ابني جعفر كركبتي البعير تقعان معاً، ولم ينفر واحد منهما على صاحبه.

أحكم من لقمان ومن زرقاء اليمامة

قال النابغة في زرقاء اليمامة يخاطب النعمان:
وأحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرتإلى حمام سراع وأرد الثـمـد
يحفه جانبـاً نـيق وتـتـبـعـهمثل الزجاجة لم تكحل من الرمد
قالت ألا ليتما هذا الحمـام لـنـاإلى حمامتنا أو نصفـه فـقـد
فحسبوه فألفوه كـمـا ذكـرتتسعاً وتسعين لم ينقص ولم يزد
وكانت نظرت إلى سرب من حمام طائر فيه ست وستون حمامة وعندها حمامة واحدة فقالت:
ليت الحمام ليهإلى حمامتيه
ونصفه قـديهثم الحمام ميه
وقال بعض أصحاب المعاني: أن النابغة لما أراد مدح هذه الحكيمة الحاسبة بسرعة إصابتها شدد الأمر وضيقه ليكون أحسن له إذا أصاب فجلعه حرزاً لطير إذ كان الطير أخف ما يتحرك، ثم جعله حماماً إذ كان الحمام أسرع الطير، ثم كثر العدد إذ كانت المسابقة مقرونة بها، وذلك أن الحمام يشتد طيرانها عند المسابقة والمنافسة، ثم ذكر أنها طارت بين نيقين، لأن الحمام إذا كان في مضيق من الهواء، كان أسرع طيراناً منه إذا اتسع الفضاء، ثم جعله وارد الماء لأن الحمام إذا ورد الماء أعانه الحرص تعلى الماء على سرعة الطيران.

الثلاثاء، 15 أغسطس 2017

أحمى من إست النمر

لأن النمر لا يدع أن يأتيه أحد من خلفه ويجهد أن يمنعه.

أحمى من مجير الظعن

هو ربيعة بن مكدم الكناني. ومن حديثه، فيما ذكر أبو عبيدة، أن نبيشة بن حبيب السلمي خرج غازياً فلقي ظعناً من كنانة بالكديد فأراد أن يحتويها، فمانعه ربيعة بن مكدم في فوارس، وكان غلاماً له ذؤابة، فشد عليه نبيشة فطعنه في عضده، فأتى ربيعة أمه وقال: شدي على العصب أم سيار، فقد رزئت فارساً كالدينار. فقالت أمه:
أنا بني ربيعة بن مـالـكنرزأ في خيارنا كـذلـك
من بين مقتول وبين هالك
ثم عصبته فاستسقاها ماء فقالت: اذهب فقاتل القوم فإن الماء لا يفوتك. فرجع وكر على القوم فكشفهم ورجع إلى الظعن وقال: إني لمائت، وسأحميكن ميتاً كما حميتكن حياً بأن أقف بفرسي على العقبة وأتكئ على رمحي، فإن فاضت نفسي كان الرمح عمادي فالنجاء، النجاء، فإني أرد بذلك وجوه القوم ساعة من النهار. فقطعن العقبة ووقف هو بإزاء القوم على فرسه متكئاً على رمحه، ونزفة الدم ففاظ والقوم بإزائه يحجمون عن الإقدام عليه، فلما طال وقوفه في مكانه، ورأوه لا يزول عنه، رموا فرسه فقمص وخر ربيعة لوجهه، فطلبوا الظعن فلم يلحقوهن. ثم أن حفص بن الأحنف الكناني مر بجيفة ربيعة فعرفها فأمال عليها أحجاراً من الحرة وقال يبكيه:
لا يبعدن ربيعة بـن مـكـدموسقى الغوادي قبرها بذنـوب
نفرت قلوصي من حجارة حرةبنيت على طلق اليدين وهوب
لا تنفري يا ناق منـه فـإنـهشراب خمر مسعر لحـروب
لولا السفار وبعده من مهمـهلتركتها تحبو على العرقـوب
قال أبو عبيدة: قال أبو عمرو بن العلاء: ما نعلم قتيلاً حمى ظعائن غير ربيعة بن مكدم.

أحمى من مجير الجراد

قالوا: هو مدلج بن سويد الطائي. ومن حيدثه، فيما ذكر ابن الأعرابي عن ابن الكلبي، أنه خلا ذات يوم في خيمته فإذا هو بقوم من طيء ومعهم أوعيتهم فقال: ما خطبكم? قالوا: جراد وقع بفنائك فجئنا لنأخذه. فركب فرسه، وأخذ رمحه وقال: والله لا يعضن له أحد منكم إلا قتلته، إنكم رأيتموه في جواري ثم تريدون أخذه. فلم يزل يحرسه حتى حميت عليه الشمس وطار. فقال: شأنكم الآن فقد تحول عن جواري: ويقال أن المجير كان حارثة بن مرأبا حنبل. وفيه يقول شاعر طيء:
ومنا ابن مـر أبـو حـنـبـلأجار من الناس رجل الجـراد
وزيد لـنـا ولـنـا حـاتــمغياث الورى في السنين الشداد


أحزم من حرباء

لأنه لا يخلي على ساق شجرة حتى يمسك شجرة أخرى. وقال:
إني أتيح لها حرباء تـنـضـبةلا يرسل الساق إلا ممسكاً ساقاً


أحزم من فرخ العقاب

قال الجاحظ: العقاب تتخذ أوكارها في عرض الجبال، فربما كان الجبل عموداً فلو تحرك إذا طلب الطعم، وقد أقبل إليه أبواه أو إحداهما، أو زاد في حركته شيئاً من موضع مجثمه، لهوى من رأس الجبل إلى الحضيضن فهو يعرف مع صغره وضعفه وقلة تجربته أن الصواب له في ترك الحركة.

أحزم من سنان

قال أبو اليقظان: لم يجتمع الحزم والحلم في رجل، فسار المثل له بهما، إلا في سنان.

أحلم من فرخ عقاب

ذكر الأصمعي، أنه سمع إعرابياً يقول: سنان بن أبي حارثة أحلم من فرخ عقاب. قال، فقلت: وما حلمه? فقال: يخرج من بيضه على رأس نبق فلا يتحرك حتى يقر ريشه، ولو تحرك سقط

أحلم من الأحنف

هو الأحنف بن قيس، وكنيته أبو بحر، واسمه صخر من بني تميم، وكان في رجله حنف، وهو الميل إلى أنسيها. وكانت أمه ترقصه وهو صغير وتقول:
والله لولا ضعفه من هـزلـهوحنف أودقه فـي رجـلـه
ما كان في صبيانكم من مثله
وكان حليماً، موصوفاً بذلك، حكيماً معترفاً له به. قالوا: فمن حلمه أنه أشرف عليه رجل وهو يعالج قدراً له يطبخها فقال الرجل:
وقدر ككف القرد لا مستعيرهايعار ولا من يأتهـا يتـدسـم
فقيل ذلك للأحنف فقال: يرحمه الله، لو شاء لقال أحسن من هذا. وقال: ما أحب أن لي بنصيبي من الذل حمر النعم فقيل له: أنت أعز العرب. فقال: إن الناس يرون الحلم ذلاً. وكان يقول: رب غيظ قد ترجعته مخافة ما هو أشد منه. وكان يقول: كثرة المزاح تذهب بالهيبة. ومن أكثر من شيء عرف به. والسؤدد كرم الأخلاق وحسن الفعل. وقال ثلاث ما أقولهن إلا ليعتبر معتبر، لا أخلف جليسي بغير ما أحضر به، ولا أدخل نفسي فيما لا مدخل لي فيه، ولا آتي السلطان أو يرسل إلي. وقال له رجل: يا أبا بحر، دلني على محمدة بغير مرزئة. قال: الخلق السجيح، والكف عن القبيح، وأعلم أن أدوا الداء اللسان البذي والخلق الردي. وأبلغ رجل مصعباً عن رجل شيئاً، فأتاه الرجل يعتذر. فقال مصعب: الذي بلغنيه ثقة. فقال الأحنف: كلا أيها الأمير، فإن الثقة لا يبلغ. وسئل هل رأيت أحلم منك? قال: نعم، وتعلمت منه الحلم. قيل: ومن هو? قال: قيس بن عاصم المنقري، حضرته يوماً، وهو محتب يحدثنا، إذ حاءوا بابن له قتيل، وابن عم له كنيف، فقالوا: إ، هذا قتل ابنك هذا. فلم يقطع حديثه، ولا نقض حبوته، حتى إذا فرغ من الحديث التفت إليهم فقال: أين ابني فلان? فجاءه. فقال: يا بني، قم إلى ابن عمك فأطلقه، وإلى أخيك فادفنه، وإلى أم القتيل فأعطها مائة ناقة فإنها غريبة لعلها تسلو عنه. ثم اتكأ على شقه الأيسر وأنشأ يقول:
وأنا امرؤ لا يعتري خلقـيدنـس يفـنـده ولا أفـن
من منقر من بيت مكـرمةوالغصن ينبت حوله الغصن
خطباء حين يقول قائلـهـمبيض الوجوه مصاقع لسن
لا يفطنون لعيب جـارهـموهم لحسن جواره فـطـن


أحمق من دغة

وهي مارية بنت مغنج، ومغنج ربيعة بن عجل. قال حمزة: هي بنت مغنج. قلت: ووجدت بخط المنذري معنج. ويحكى عن المفضل ابن سلمة أن اسم الرجل كما ذكرته قبل. ومن حمقها أنها زوجت وهي صغير في بني العنبر بن تميم فحملت، فلما ضربها المخاض ظنت أنها تريد الخلاء فبرزت إلى بعض الغيطان فولدت فاستهل الوليد، فانصرفت تقدر أنها أحدثت فقالت لضرتها: يا هناه، هل يفغر الجعر فاه? فقالت: نعم، ويدعو أباه. فمضت ضرتها وأخذت الولد. فبنو العنبر تسمى، بني الجعراء، تسب بها. ومن حمقها أيضاً أنها نظرت إلى يافوخ ولدها يضطرب، وكان قليل النوم، كثير البكاء، فقالت لضرتها: أعطيني سكيناً. فناولتها، وهي لا تعلم ما أنطوت عليه، فمضت وشقت به يافوخ ولدها فأخرجت دماغه، فلحقتها الضرة فقالت: ما الذي تصنعين? فقالت: أخرجت هذه المدة من رأسه ليأخذه النوم، فقد نام الآن. قال الليث: يقال دغة ودغينة إذا أرادوا أنه أحمق.

أحمق من الممهورة إحدى خدمتيها

قال أبو عبيد أصله أن رجلاً كانت له امرأة حمقاء فطلبت مهرها منه، فنزع خلخالها ودفعه إليها فرضيت به.

أحمق من الممهورة من مال أبيها

قال أبو عبيد: أصله أن رجلاً أعطى رجلاً مالاً فتزوج به ابنة المعطي، ثم أن الزوج امتن عليها بما مهرها.

أحمق من الممهورة من نعم أبيها

وأصله أن رجلاً راود امرأة فأبت أن تمكنه إلا بمهر، فمهرها بعض نعم أبيها .

أحيا من ضب

فإنه أفعل من الحياة. الضب زعموا طويل العمر.

أحيا من فتاة ومن هدي

وهي المرأة تهدي إلى زوجها. قالت الأخيلية في توبة بن الحمير:
فتى كان أحيا من فتاة حييةوأجرأ من ليث بخفان خادر

أحمق من جهيزة

قال ابن السكيت: هي أم شبيب الخروري. ومن حمقها أنها لما حملت شبيباً فأثقلت قالت لا حمائها: إن في بطني شيئاً ينقر. فنشرن عنها هذه الكلمة فحمقت. وقيل: أنها قعدت في مسجد الكوفة تبول فلذا حمقت. وزعم قوم أن الجهيزة عرس الذئب، يعنون الذئبة، وحمقها أنها تدع ولدها وترضع ولد الضبع. قالوا: وهذا معنى قول ابن جزل الطعان:
كمرضعة أولاد أخرى وضيعتبنيها فلم ترفع بذلك مرقـعـاً
ويقال هي الدابة.

أحمق من حجينة

قالوا: أنه رجل كان من بني الصيداء يحمق.

أحمق من حدنة

يقال: أنه أحمق من كان في العرب على وجه الأرض. ويقال: بل هي امرأة من قيس بن ثعلبة تمتخط بكوعها.

أحمق من هبنقة

هو ذو الودعات. واسمع يزيد بن ثروان أحد بني قيس بن ثعلبة. وبلغ من حمقه أنه ضل له بعير فجعل ينادي من وجد بعيري فهو له. فقيل له: فلم تنشده? قال: فأين حلاوة الوجدان. ومن حمقه أنه اختصمت الطفاوة وبنو راسب إلى عرباض في رجل إدعاه هؤلاء فقالت الطفاوة: هذا من عرافتنا. وقالت بنو راسب: بل هو من عرافتنا. ثم قالوا: رضينا بأول من يطلع علينا. فلما دنا قصوا عليه قصتهم فقال هبنقة: الحكم عندي في ذلك أن يذهب به إلى نهر البصرة فيلقى فيه، فإن كان راسبياً رسب فيه، وإن كان طفاوياً طفا. فقال الرجل: لا أريد أن أكون من أجد هذين الحيين ولا حاجة لي بالديوان. ومن حمقه أنه جعل في عنقه قلادة من ودع وعظام وخزف، وهو ذو لحية طويلة، فسئل عن ذلك فقال: لأعرف بها نفسي، ولئلا أضل. فبات ذات ليلة وأخذ أخوه قلادته فتقلدها فلما أصبح ورأى القلادة في عنق أخيه قال: يا أخي، أنت أنا فمن أنا. ومن حمقه أنه كان يرعى غنم أهله فيرعى السمان في العشب وينحي المهازيل، فقيل له: ويحك، ما تصنع? قال: لا أفسد ما أصلحه الله، ولا أصلح ما أفسده. قال الشاعر فيه:
عش بـجـــد ولـــن يضـــرب نـــوكإنـمـا عـيش مـن تـــرى بـــجـــدود
عش بجد وكن هبنقة القيسي نوكاً أو شيبة بن الوليد
برب ذي أربة مقل من المال وذي عـنـجـــهـــية مـــجـــدود
العنجهية، الجهل. وشيبة بن الوليد، رجل من رجالات العرب

أحمق من عجلٍ

هو عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. قال حمزة: هو أيضاً من الحمقى المنجبين، وذلك أنه قيل له: ما سميت فرسك? فقام ففقأ عينه وقال: سميته الأعور. وفيه يقول جرثومة العنزي:
رمتني بنـو عـجـل بـداء أبـيهـموأي امرئ في الناس أحمق من عجل
أليس أبـوهـم عـار عـين جـوادهفصارت به الأمثال تضرب في الجهل


أحمق من أبي غبشان

كان من حديثه أن خزاعة حدث فيها موت شديد، ورعاف عمهم بمكة فخرجوا منها ونزلوا الظهران، فرقع عنهم ذلك. وكان فيهم رجل يقال له حليل بن حبشية، وكان صاحب البيت، وكان له بنون وبنت يقال لها حبى، وهي امرأة قصيّ بن كلاب، فمات حليل، وكان أوصى ابنته حبى بالحجابة، وأشرك معها أبا غبشان الملكاني. فلما رأى قصي بن كلاب أن حليلاً قد مات وبنوه غيب، والمفتاح في يد امرأته، طلب إليها أن تدفع المفتاح إلى ابنها عبد الدار بن قصي، وحمل بنيه على ذلك. فقال: أطلبوا إلى أمكم حجابة جدكم. ولم يزل بها حتى سلست له بذلك وقالت: كيف أصنع بأبي غبشان? وهو وصي معي. فقال قصي: أنا أكفيك أمره. فاتفق أن اجتمع أبو غبشان مع قصي في شرب بالطائف، فخدعه قصي عن مفاتيح الكعبة بأن أسكره ثم اشترى المفاتيح منه بزق خمر، وأشهد عليه، ودفع المفتاتيح إلى ابنه عبد الدار بن قصي وطيره إلى مكة، فلما أشرف عبد الدار على دور مكة رفع عقيرته وقال: معاشر قريش، هذه مفاتيح بيت أبيكم إسماعيل قد ردها الله عليكم من غير غدر ولا ظلم. فأفاق أبو غبشان من سكره أندم من الكسعي. فقال الناس: أحمق من أبي غبشان، وأندم من أبي غبشان، وأخسر صفقة من أبي غبشان، فذهبت الكلمات كلها أمثالاً. وأكثر الشعراء فيه القول، قال بعضهم:
إذا فخرت خزاعة في قديموجدنا فخرها شر الخمور
وبيعا كعبة الرحمن حمقـابزق بئس مفتخر الفخور
وقال آخر:
أبو غبشان أظلم من قصـيوأظلم من بني فهر خزاعه
فلا تلحو قصياً فـي شـراهولوموا شيخكم إن كان باعه


حتى يجيء نشيط من مرو

كان نشيط غلاماً لزياد بن أبي سفيان، وكان بناء، هرب قبل أن يشرف وجه دار زياد، وكان لا يرضى إلا عمله، فقيل له: لم لا تشرف دارك? فقال: حتى يجيء ... المثل. فصار مثلاً لكل ما لا يتم. وقال بعض أهل البصرة:
إلى ما يوم يبعث كل حـيويرجع بعد من مرو نشيط

حلبت صرام

يضرب عند بلوغ الشر آخره. والصرام، آخر اللبن بعد التغريز إذا احتاج إليه صاحبه حلبه ضرورة. قال بشر:
ألا أبلغ بني سعد رسـولاًومولاهم فقد حلبت صرام
أي، بلغ الشر نهايته، وأنت على معنى الداهية. والتغريز، أن تدع حلبة بين حلبتين، وذلك إذا أدبر لبن الناقة. وقال الأزهري: صرام مثل قطام، مبني على الكسر، من أسماء الحرب وأنشد للجعدي:
ألا أبلغ بني شيبـان عـنـيفقد حلبت صرام لكم صراها


حتى يؤوب المثلم

هذا من أمثال أهل البصرة يقولون: لا أفعل كذا حتى يؤوب المثلم. وأصل هذا أن عبيد الله بن زياد أمر بخارجي أن يقتل، فأقيم للقتل فتحاماه الشرط مخافة غيلة الخوارج، فمر به رجل يعرف بالمثلم، وكان يتجر في اللقاح والبكارة، فسأل عن الجمع فقيل: خارجي قد تحاماه الناس، فانتدب له، فأخذ السيف وقتله به، فرصده الخوارج ودسوا له رجلين منهم فقالا له: هل لك في لقحة من حالها وصفتها كذا? قال: نعم. فأخذاه معهما إلى دار قد أعدا فيها رجالاً منهم، فلما توسطها رفعوا أصواتهم أن لا حكم إلا لله، وعلوه بأسيافهم حتى برد فحين ذلك قال أبو الأسود الدؤلي:
وآليت لا أسعى إلى رب لقـحةأساومه حتى يؤوب المـثـلـم
فأصبح لا يدري أمرؤ كيف حالهوقد بات يجري فوق أثوابه الدم


حماداك أن تفعل كذا

أي، غايتك وفعلك المحمود. وهو مثل قولهم: قصاراك وغناماك.

حولها ندندن

قاله صلى الله عليه وسلم لأعرابي قال: "إنما أسأل الله الجنة، فأما دندنتك ودندنة معاذ فلا أحسنها". قال أبو عبيد: الدندنة، أن يتكلم الرجل بالكلام تسمع نغمته ولا تفهمه عنه، لأنه يخفيه. أراد صلى الله عليه وسلم أن ما تسمعه منا هو من أجل الجنة أيضاً.