الثلاثاء، 15 أغسطس 2017

أحلم من الأحنف

هو الأحنف بن قيس، وكنيته أبو بحر، واسمه صخر من بني تميم، وكان في رجله حنف، وهو الميل إلى أنسيها. وكانت أمه ترقصه وهو صغير وتقول:
والله لولا ضعفه من هـزلـهوحنف أودقه فـي رجـلـه
ما كان في صبيانكم من مثله
وكان حليماً، موصوفاً بذلك، حكيماً معترفاً له به. قالوا: فمن حلمه أنه أشرف عليه رجل وهو يعالج قدراً له يطبخها فقال الرجل:
وقدر ككف القرد لا مستعيرهايعار ولا من يأتهـا يتـدسـم
فقيل ذلك للأحنف فقال: يرحمه الله، لو شاء لقال أحسن من هذا. وقال: ما أحب أن لي بنصيبي من الذل حمر النعم فقيل له: أنت أعز العرب. فقال: إن الناس يرون الحلم ذلاً. وكان يقول: رب غيظ قد ترجعته مخافة ما هو أشد منه. وكان يقول: كثرة المزاح تذهب بالهيبة. ومن أكثر من شيء عرف به. والسؤدد كرم الأخلاق وحسن الفعل. وقال ثلاث ما أقولهن إلا ليعتبر معتبر، لا أخلف جليسي بغير ما أحضر به، ولا أدخل نفسي فيما لا مدخل لي فيه، ولا آتي السلطان أو يرسل إلي. وقال له رجل: يا أبا بحر، دلني على محمدة بغير مرزئة. قال: الخلق السجيح، والكف عن القبيح، وأعلم أن أدوا الداء اللسان البذي والخلق الردي. وأبلغ رجل مصعباً عن رجل شيئاً، فأتاه الرجل يعتذر. فقال مصعب: الذي بلغنيه ثقة. فقال الأحنف: كلا أيها الأمير، فإن الثقة لا يبلغ. وسئل هل رأيت أحلم منك? قال: نعم، وتعلمت منه الحلم. قيل: ومن هو? قال: قيس بن عاصم المنقري، حضرته يوماً، وهو محتب يحدثنا، إذ حاءوا بابن له قتيل، وابن عم له كنيف، فقالوا: إ، هذا قتل ابنك هذا. فلم يقطع حديثه، ولا نقض حبوته، حتى إذا فرغ من الحديث التفت إليهم فقال: أين ابني فلان? فجاءه. فقال: يا بني، قم إلى ابن عمك فأطلقه، وإلى أخيك فادفنه، وإلى أم القتيل فأعطها مائة ناقة فإنها غريبة لعلها تسلو عنه. ثم اتكأ على شقه الأيسر وأنشأ يقول:
وأنا امرؤ لا يعتري خلقـيدنـس يفـنـده ولا أفـن
من منقر من بيت مكـرمةوالغصن ينبت حوله الغصن
خطباء حين يقول قائلـهـمبيض الوجوه مصاقع لسن
لا يفطنون لعيب جـارهـموهم لحسن جواره فـطـن


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق