الأحد، 16 أبريل 2017

أبخل من مادر

هو، رجل من بني هلال بن عامر بن صعصعة، وبلغ من بخله أنه سقي إبله فبقي في أسفل الحوض ماء قليل فسلح فيه ومدر الحوض به فسمي مادراً لذلك. واسمه مخارق. قال أبو الندي: وذكروا أن بني فزارة وبني هلال بن عامر تنافروا إلى أنس بن مدرك الخنعمي وتراضوا به. فقالت بنو عامر: يا بني فزارة أكلتم أير حمار. فقالت بنو فزارة قد أكلنا ولمن نعرفه. وحديث ذلك أن ثلاثة نفر اصطحبوا فزاري وثعلبي وكلابي فصادوا حماراً. ومضى الفزاري في بعض حاجته فطبخا وأكلا وخبأ للفزاري جردان الحمار، فلما رجع الفزاري قالا قد خبأنا لك فكل، فأقبل يأكله ولا يكاد يسيغه فقال: أكل شواء العبر جوفان. يعني به الذكر. وجعلا يضحكان، ففطن وأخذ السيف وقال: لتأكلانه أو لأقتلنكما. ثم قال لأحدهما، وكان اسمه مرقمة: كل منه فأبى فضربه فأبان رأسه. فقال الآخر: طاح مرقمة. فقال الفزاري وأنت أن لم تلقمه. قال محمد بن حبيب: أراد أن لم تلقمها، فلما ترك الألف ألقى الفتحة على الميم قبل الهاء، كما قالوا ويلم الحيرة، وأي رجال به، أي بها. قلت: إنما قدر الهاء في تلقمها أرادة المضغة أو البضعة وإلا فليس في الكلام الذي مضى تأنيث ترجع الهاء إليه. فقالت بنو فزارة: ولكن منكم يا بني هلال من قرى في حوضه فسقى إبله فلما رويت سلح فيه ومدره بخلابه أن يشرب فضله. فقضى أنس بن مدرك على الهلاليين فأخذا الفزاريون منهم مائة بعير وكانوا تراهنوا عليها. وفي بني فزارة يقول الكميت بن ثعلبة، والكميت من شعراء ثلاثة أقدمهم هذا. ثم كميت بن معروف، ثم كميت بن زيد، وكلهم من بني أسد:
نشدتك يا فزار وأنت شـيخإذا خيرت تخطئ في الخيار
أصيحانية أدمت بـسـمـنأحب إليك أم أير الحـمـار
بلى أير الحمار وخصـيتـاهأحب إلى فزارة من فـزار
فحذف الهاء من فزارة كما تحذف في الترخيم، وإن كان هذا في غير النداء ويجوز أن يكون أراد، من فزاري، فخفف ياء النسبة. وفي بني هلال يقول الشاعر:
لقد جللت خزيا هلال بن عامربني عامر طرا بسلحة مـادر
فأف لكم لا تذكروا الفخر بعدهابني عامر أنتم شرار المعاشر
وفي بني فزارة يقول ابن دارة:
لا تأمنن فـزاريا خـلـوت بـهتعلى قلوصك واكتبها بـأسـيار
لا تأمننه ولا تـأمـن بـواثـقـهبعد الذي أمتل أير العير في النار
أطعمتم الضيف جوفانا مخـاتـلةفلا سقاكم إلهي الخالق البـاري
قال حمزة: وحدثني أبو بكر بن دريد قال حدثني أبو حاتم عن أبي عبيدة أنه قرأ عليه حديث مادر فضحك. قال فقلت له ما الذي أضحكك? فقال تعجبي من تسيير العرب لأمثال لها لو سيروا ما هو أهم منها لكان أبلغ لها. قلت: مثل ماذا? قال: مثل مادر هذا جعلوه علماً في البخل بفعلة تحتمل التأويل، وتركوا مثل ابن الزبير مع ما يؤثر على لفظه وفعله من دقائق البخل فتركوه كالغفل. من ذلك أنه نظر إلى رجل من أصحابه وهو يومئذ خليفة يقاتل الحجاج بن يوسف على دجولته وقد دق الرجل في صدور أهل الشأم ثلاثة أرماح فقال له يا هذا اعتزل عن حربنا فإن بيت المال لا يقوى على هذا. وقال في تلك الحرب لجماعة من جنده: أكلتم تمري وعصيتم أمري. وسمع أن مالك بن أشعر الرزامي من بني مازن أكل من بعير وحده وحمل ما بقي على ظهره فقال: دلوني على قبره أنبشه. وقال لرجل أتاه مجتدياً وقد أبدع به فشكا إليه حفا ناقته قال أخصفها بهلب وأرقعها بسبب وانجد بها يبرد خفها. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين جئتك مستوصلاً ولم آتك مستوصفاً فلا بقيت ناقة حملتني إليك. فقال: أن وصاحبها. ولهذا الرجل فيه شعر قد نسي. قلت: وفي بعض النسخ من كتاب أفعل كان هذا الرجل عبد الله بن فضالة الأسدي، ولما انصرف من عنده قال:
أرى الحاجات عند أبي خبيبتكدن ولا أمـية بـالـبـلاد
وما لي حين أقطع ذات عرقإلى ابن الكاهلية من معـاد
 في أبيات. وابن الكاهلية هو عبد الله بن الزبير لأن جدة من جداته كانت من بني كاهل فلما بلغ الشعر ابن الزبير قال لو علم لي أما الأم من عمته لسبني بها. قال أبو عبيدة: فلو تكلف الحرث بن كلدة طبيب العرب أو مالك بن زيد مناة وحنيف الحناتم آبلا العرب من وصف علاج ناقة الأعرابي ما ت كلفه هذا الخليفة لما كانوا يعشرونه. وكان مع هذا يأكل في كل إسبوع أكلة ويقول في خطبته إنما بطني شبر في شبر وعندي ما عسى يكفيني. فقال فيه الشاعر:
لو كان بطنك شبراً قد شبعت وقدأفضلت كثيراً للـمـسـاكـين
فإن تصبـك مـن الأيام جـائحةلأنبك منك علـى دنـيا ولا دين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق