الخميس، 29 يونيو 2017

حنت ولات هنت وأني لك مقروع

هنت، من الهنين. يقال: هن يهن، بمعنى حن يحن. وقد يكون بمعنى بكى وقال لما رأى الدار خلاء هنا ولات، مفصولة من هنت، أي لات حين هنت، فحذف، حين، لكثرة ما يستعمل لات معه وللعلم به. ويروى، ولا تهنت، أراد تهنأت فلين الهمزة. كانت الهيجمانة بنت العنبر بن عمرو ابن تميم تعشق عبشمس بن سعد، وكان يلقب بمقروع، فأراد أن يغير على قبيلة الهيجمانة، وعلمت بذلك الهيجمانة، فأخبرت أباها فقال مازن بن مالك ابن عمرو: حنت ولات هنت. أي اشتاقت وليس وقت اشتياقها. ثم رجع من الغيبة إلى الخطاب فقال: وأني لك مقروع. أي من أين تظفرين به. يضرب لمن يحن إلى مطلوبه قبل أوانه. وحكى المفضل بن محمد الضبي أن عبشمس بن سعد، وكان اسمه عبد العزي، كان وسيم الوجه، حسن الخلقة، فسمي بعبشمس. وعبء الشمس ضوءها فحذف الهمزة. وهو ابن سعد بن زيد مناة بن تميم شغف بحب الهيجمانة، فمنع عنها، وقوتل، فجاء الحرث ابن كعب بن سعد ليذب عن عمرو فضرب على رجله فشلت، فسمي الأعرج، فسار عبشمس إليهم وسألهم أن يعطوه حقه من رجل الأعرج، فتأبى عليه بنو عنبر بن عمرو بن تميم. فقال عبشمس لقومه: أن خرج إليكم مازن بن مالك بن عمرو مترجلاً قد لبس ثيابه تزين فظنوا به شراً، وإن جاءكم أشعث الرأس خبيث النفس فإني أرجو أن يعطوكم حقكم. فلما أمسوا راح إليهم مازن مترجلاً قد لبس ثيابه وتزين لهم، فارتابوا به، فدس عبشمس بعض أصحابه إليهم ليسترق السمع ويتجسس ما يقولون، فسمع رجلاً من الرعاء يقول:
لا نعقل الرجل ولا نديهاحتى ترى داهية تنسيها
فلما عاد الرجل إلى عبشمس، وخبره بما سمع. قال عبشمس: إذا جن عليكم الليل برزوا رحالكم، وأقيموا ناحية. ففعلوا وتركوا خيامهم. فنادى مازن، وأقبل إلى القبة. ألا لا حي بالقرى. فإذا الرجال قد جاءوا وعليهم السلاح حتى أحاطوا بالقبة، فاكتنفوها، فإذا القبة خالية من بني سعد. فلما علم عبشمس: إذا جن عليكم الليل برزوا رحالكم، وأقيموا ناحية. ففعلوا وتركوا خيامهم. فنادى مازن، وأقبل إلى القبة. ألا لاحي بالقرى. فإذا القبة خالية من بني سعد. فلما علم عبشمس بذلك جمع بني سعد فغزاهم، فلما كان بعقوتهم نزل في ليلة ذات ظلمة، ورعد، وبرق. وأقام حتى يغير عليهم صبحاً. وكان يدور على قومه ويحوطهم من دبيب الليل. وكانت الهيجمانة عاركاً، والعارك لا تخالط أهلها، وأضاء البرق فأت ساقي مقروع، فأتت إباها تحت الليل فقالت: إني رأيت ساقي عبشمس في البرق فعرفته، فأرسل العنبر في بني عمرو فجمعهم، فلما أتوه خبرهم بما سمع من الهيجمانة. فقال مازن: حنت ولات هنت وإني لك مقروع. ثم قال مازن للعنبر: ما كنت حقيقاً أن تجمعنا لعشق جارية. ثم تفرقوا عنه. فقال لها العنبر عند ذلك: أي بنية، أصدقي فإنه ليس للكذوب رأي، فأرسلها مثلاً. قالت: يا أبتاه ثكلتك أن لم أكن صدقتك فانج ولا أخالك ناجياً. فأرسلتها مثلاً. فنجا العنبر من تحت الليل، وصبحهم بنو سعد فأدركوهم وقتلوا منهم ناساً كثيراً. ثم أن عبشمس تبع العنبر حتى أدركه وهو على فرسه وعليه أداته يسوق إبله. فلما لحقه قال له: يا عنبر دع أهلك فإن لنا وإن لك. فأجابه العنبر وقال: لكن من تقدم منعته ومن تأخر عقرته. فدنا منه عبشمس، فما رأته الهيجمانة نزعت خمارها، وكشفت عن وجهها وقالت: يا مقروع، نشدتك الرحم لما وهبته لي، لقد خفتك على هذه منذ اليوم، وتضرعت إلى عبشمس فوهبه لها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق