الأحد، 5 مارس 2017

إن العصا قرعت لذي الحلم

قيل: أن أول من قرعت له العصا عمرو بن مالك بن ضبيعة أخو سعد بن مالك الكناني، وذلك أن سعداً أتى النعمان بن المنذر ومعه خليل له قادها وأخرى عراها فقيل له: لم عريت هذه وقدت هذه? قال: لم أقد هذه لأمنعها ولم أعر هذه لأهبها. ثم دخل على النعمان فسأله عن أرضه فقال: أما مطرها فغزير وأما نبتها فكثير. فقال له النعمان: إنك لقوال وإن شئت أتيتك بما تعيا عن جوابه. قال نعم فأمر وصيفاً له أن يلطمه فلطمه لطمة. فقال: ما جواب هذه? قال سفيه مأمور قال الطمه أخرى فلطمه قال ما جواب هذه? قال أخذ بالأولى لم يعد للأخرى وإنما أراد النعمان أن يتعدى سعد في المنطق فيقتله قال الطمه ثالثة فلطمه قال ما جواب هذه? قال رب يؤدب عبده قال الطمه أخرى فلطمه قال ما جواب هذه? قال ملكت فأسجح فأرسلها مثلاً، قال النعمان أصبت فامكث عندي أعجبه ما رأى منه فمكث عنده ما مكث، ثم إنه بدا للنعمان أن يبعث رائداً فبعث عمراً أخا سعد فأبطأ عليه فأغضبه ذلك فأقسم لئن جاء ذاماً للكلأ أو حامداً له ليقتلنه، فقدم عمرو وكان سعد عند الملك فقال سعد: أتأذن أن أكلمه قال: أذن يقطع لسانك. قال: فأشير إليه. قال: إذن تقطع يدك. قال: فأقرع له العصا. قال: فاقرعها، فتناول سعد عصا جليسه وقرع بعصاه قرعة واحدة فعرف أنه يقول له مكانك، ثم قرع بالعصا ثلاث قرعات ثم رفعها إلى السماء ومسح عصاه بالأرض فعرف أنه يقول له لم أجد جدباً، ثم قرع العصا قرعة واقبل نحو الملك فعرف أنه يقول كلمه فأقبل عمرو حتى قام بين يدي الملك فقال له أخبرني هل حمدت خصباً أو ذممت جدباً? فقال عمرو: لم أذمم هزلاً ولم أحمد بقلاً، الأرض مشكلة لا خصبها يعرف، ولا جدبها يوصف، رائدها واقف، ومنكرها عارف، وآمنها خائف، قال: الملك أولى لك. فقال سعد بن مالك يذكر قرع العصا:
قرعت العصا حتى تبين صاحبـيولم تك لولا ذاك في القوم تقرع
فقال رأيت الأرض ليس بمحمـلولا سارح فيها على الرعي يشبع
سواء فلا جدب فيعرف جدبـهـاولا صابها غيث غزير فتمـرع
فنجى بها حوباء نـفـس كـريمةوقد كاد لولا ذاك فيهم تقـطـع
هذا قول بعضهم. وقال آخرون في قولهم أن العصا قرعت لذي الحلم: أن ذا الحلم هذا هو عامر بن الظرب العدواني، وكان من حكماء العرب لا تعدل بفهمه فهماً ولا بحكمه حكماً، فلما طعن في السن أنكر من عقله شيئاً فقال لبنيه أنه قد كبرت سني وعرض لي سهو فإذا رأيتموني خرجت من كلامي وأخذت في غيره فاقرعوا لي المجن بالعصا. وقيل: كانت له جارية يقال لها خصيلة فقال لها إذا أنا خولطت فاقرعي لي العصا وأتي عامر يخنثى ليحكم فيه فلم يدر ما الحكم فجعل ينحر لهم ويطعمهم ويدافعهم بالقضاء فقالت خصيلة: ما شأنك قد أتلفت مالك فخبرها أنه لا يدري ما حكم الخنثى فقالت اتبعه مباله. قال الشعبي: فحدثني ابن عباس بها قال: فلما جاء الله بالإسلام صارت سنة فيه وعامر هو الذي يقول:
أرى شعرات على حاجبـيبيضاً نبتن جميعـاً تـؤامـا
ظللت أهاهي بهـن الـكـلاب أحسبهن صوارا قـيامـا
وأحسب أنفي إذا ما مـشـيت شخصاً أمامي رآني فقاما
يقال أنه عاش ثلاثمائة سنة وهو الذي يقول:
تقول ابنتي لما رأتني كأننيقال ابن الأعرابي: أول من قرعت له العصا عامر بن الظرب العدواني وربيعة تقول: بل هو قيس بن خالد بن ذي الجدين. وتميم تقول: بل هو ربيعة بن مخاشن أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم. واليمن تقول: بل هو عمرو بن حممة الدوسي قال: وكانت حكام تميم في الجاهلية أكثم بن صيفي، وحاجب بن زرارة، والأقرع بن حابس، وربيعة بن مخاشن، وضمرة بن ضمرة، غير أن ضمرة حكم فأخذ رشوة فغدر. وحكام قيس عامر بن الظرب، وغيلان بن سلمة الثقفي، وكانت له ثلاثة أيام، يوم يحكم فيه بين الناس، ويوم ينشد فيه شعره، ويوم ينظر فيه إلى جماله، وجاء الإسلام وعنده عشر نسوة فخيره النبي صلى الله عليه وسلم فاختار أربعاً فصارت سنة. وحكام قريش عبد المطلب، وأبو طالب، والعاصي بن وائل. وحكيمات العرب صخر بنت لقمان، وهند بنت الخس، وجمعة بنت حابس، وابنة عامر بن الظرب، الذي يقال له ذو الحلم. قال المتلمس يريده:
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصاوما علم الإنسان إلا لـيعـلـمـه
والمثل يضرب لمن إذا نبه انتبه.
سليم أفاع ليله غير مودع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق