الأحد، 23 أبريل 2017

تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها

أي، لا تكون ظئراً وإن آذاها الجوع. ويروى، ولا تأكل ثدييها. وأول من قال ذلك، الحرث بن سليل الأسدي، وكان حليفاً لعلقمة بن خصفة الطائي فزاره فنظر إلى ابنته الزباء، وكانت من أجمل أهل دهرها، فأعجب بها، فقال له: أتيتك خاطباً وقد ينكح الخاطب، ويدرك الطالب، ويمنح الراغب. فقال له علقمة: أنت كفؤ كريم يقبل منك الصفو ويؤخذ منك العفو، فأقم ننظر في أمرك. ثم انكفأ إلى أمها فقال: أن الحرث ابن سليل سيد قومه حسباً ومنصباً وبيتاً وقد خطب إلينا الزباء فلا ينصرفنّ إلا بحاجته. فقالت امرأته لابنتها: أي الرجال أحب إليك الكهل الجحجاح الواصل المناح، أم الفتى الوضاح? قالت: لا، بل الفتى الوضاح. قالت: أن الفتى يغيرك وأن الشيخ يميرك، وليس الكهل الفاضل الكثير النائل كالحديث السن الكثير المن. قالت: يا أمتاه أن الفتاة تحب الفتى كحب الرعاء أينق الكلا. قالت: أي بنية إن الفتى شديد الحجاب كثير العتاب. قالت: إن الشيخ يبلي شبابي ويدنس ثيابي ويشمت بي أترابي. فلم تزل أمها بها حتى غلبتها على رأيها. فتزوجها الحرث على مائة وخمسين من الإبل وخادم وألف درهم، فابتني بها، ثم رحل بها إلى قومه. فبينا هو ذات يوم جالس بفناء قومه، وهي إلى جانبه، إذا أقبل إليه شباب من بني أسد يعتلجون، فتنفست صعداء، ثم أرخت عينيها بالبكاء. فقال لها: ما يبكيك? قالت: ما لي وللشيوخ الناهضين كالفروخ. فقال لها: ثكلتك أمك، تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها. قال أبو عبيد: فإن كان الأصل على هذا الحديث فهو على المثل السائر، لا تأكل ثدييها. وكان بعض العلماء يقول هذا لا يجوز وإنما هو لا تأكل بثدييها. قلت: كلاهما في المعنى سواء، لأن معنى، لا تأكل ثدييها، لا تأكل أجرة ثدييها. ومعنى بثدييها، أي لا تعيش بسبب ثدييها وبما يغلان عليها. ثم قال الحرث لها: أما وأبيك لرب غارة شهدتها وسبية أردفتها وخمرة شربتها، فالحقي بأهلك فلا حاجة لي فيك. وقال:
تهزأت أن رأتني لابساً كـبـراوغاية الناس بين الموت والكبر
فإن بقيت لقيت الشسيب راغـمةوفي التعرف ما يمضي من العبر
وإن يكن قد علا رأسـي وغـيرهصرف الزمان وتغيير من الشعر
فقد أروح للذات القـنـى جـذلاًوقد أصيب بها عيناً من البـقـر
عني إليك فإني لا تـوافـقـنـيعور الكلام ولا شرب على الكدر
يضرب في صيانة الرجل نفسه عن خسيس مكاسب الأموال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق